نبذة تاريخية
الخليل واحدة من أقدم المدن في فلسطين والعالم، ويعود تاريخها إلى أكثر من 6000 سنة قبل الميلاد ويعتقد أنه منذ حوالي سنة 4000 قبل الميلاد هاجرت قبائل عربية كنعانية من الجزيرة العربية إلى فلسطين، وبنت عدداً من القرى والبلدات في منطقة الخليل وفي فترة لاحقة تم دمج أربع من هذه القرى الواقعة على تلال الخليل لتشكل معاً مدينة ذات نظام سياسي واجتماعي واحد، اتخذت المدينة الموحدة من تل الرميدة مركزاً لها، وازدهرت ازدهاراً ملحوظاً بعد توحيدها وهذا ما يشير إليه بقايا الأسوار والأبراج والبوابات على تل الرميدة ومناطق المدينة الأخرى، ربما كان هذا هو السبب في تسمية المدينة الكنعانية من العصر البرونزي باسم "قرية أربع" وتعني بلدة الأربعة، أو ربما بسبب وقوعها على أربعة تلال وكلمة خليل بالعربية تعني الصديق، والتسمية نسبة إلى إبراهيم خليل الله، بحسب ماورد في القرآن الكريم، هذا وقد عرفت الخليل بعدة أسماء أخرى في العصور المختلفة ومنها: مطالون، كاستيلوم، وممراً وحبرون ويقال أن النبي إبراهيم قدم إلى الخليل في حوالي عام 2000-1900 قبل الميلاد، من بئر السبع ويصف سفر التكوين موت سارة وشراء إبراهيم لكهف الماكفيلا (MAKHPELA) من عفرون، أحد أبناء حث (الحثيين)، وتكريسه كمقبرة لها ولبقية عائلته، ويعتقد اليوم أن إبراهيم الخليل وأبناءه اسحق ويعقوب وزوجاتهم رفقا وليا قد دفنوا في الكهف تحت المسجد الحالي، واتخذ الملك داود مدينة الخليل أول عاصمة لمملكته في القرن العاشر قبل الميلاد، في القرن الأول قبل الميلاد قام الملك هيرودوس بتشييد معبد ضخم فوق كهف إبراهيم وذريته، ولكن الرومان دمروه ودمروا المدينة عام 70 ميلادية نتيجة لثورة اليهود ضد حكم روما، ثم أعاد الرومان بناء المدينة ومنعوا اليهود من السكن فيها، وتحول المعبد إلى كنيسة خلال العهد البيزنطي، وقد نجت الكنيسة من التدمير خلال الغزو الفارسي الذي جاء قبل الفتح الإسلامي بسنوات قليلة فقط. يعتقد المسلمون أن إبراهيم الخليل كان أول مسلم، وأن النبي محمداً زار الحرم الإبراهيمي في ليلة الإسراء من مكة إلى القدس، ومن هذا المنطلق حول المسلمون الحرم الإبراهيمي إلى مسجد بعد فتحهم لفلسطين في القرن السابع، وأصبحت الخليل رابع أقدس مدينة إسلامية بعد مكة والمدينة والقدس، باستثناء حوالي قرن واحد خلال فترة الصليبيين، بقيت الخليل مدينة عربية- إسلامية، وقد سمح لليهود بالعيش فيها، ولكن ليس بدخول الحرم، احتل الصليبيون الخليل عام 1100م، وغيروا اسمها إلى كاستيلوم، ومرة أخرى منعوا اليهود من العيش فيها، أما المماليك الذين حرروا المدينة بعد ذلك بقرن تقريباَ فقد سمحوا لليهود والمسيحيين بالعيش في المدينة التي أصبحت عندئذ عاصمة للمنطقة، ولكن المسلمين وحدهم سمح لهم بدخول الحرم خلال الاضطرابات التي شهدتها فلسطين عام 1929 في أعقاب حادثة البراق التي كانت رداً على الأطماع اليهودية ومحاول السيطرة على الأماكن الإسلامية. فجر أكثر من ألفي يهودي المدينة بعد أن عاشوا فيها بسلام، بعد حرب عام 1967م مباشرة قام الحاخام اليهودي المتعصب موشيه ليفنغر ومعه مجموعة من المتعصبين اليهود باحتلال أحد فنادق المدينة ومبنى الدبوية في الخليل، قاضياً بذلك على الهدوء الذي نعمت به المدينة لأجيال، وبعد ذلك احتل المستوطنون الكثير من المنازل والمباني في قلب مدينة الخليل بما فيها بيت هداسا، كان هذا أول عمل عدائي في سلسلة الصراع الطويل بين الشعب الفلسطيني والمستوطنين اليهود الذي استمر منذ ذلك الوقت حتى يومنا هذا وليس هناك أي مؤشر يدل على نهاية لهذا الوضع، وتشكل المستوطنات اليهودية المبنية على الأرض الفلسطينية المصادرة من المدينة حواجز تمنع تطورها، كما يعد المستوطنون في وسط المدينة شوكة في حلق الناس وبسبب مكانتها الدينية المتميزة، كانت مدينة الخليل منذ بداية الاحتلال، ومازالت مسرحاً رئيسياً للصراع بين الفلسطينيين والإسرائيليين، لذلك لم تستفد من مكانتها التاريخية والدينية المهمة، فالإجراءات الإسرائيلية الأمنية المشددة في المدينة، وخاصة الحرم الإبراهيمي وفي البلدة القديمة وتل الرميدة تحد من إقبال الزوار الأجانب والمحليين على حد سواء.
الموقع
تقع مدينة الخليل على مسافة 37 كم جنوبي القدس، و27 كم جنوبي بيت لحم، وتظهر على جانبي الطريق المؤدي من الخليل إلى بيت لحم الريف الفلسطيني الجميل الذي يشهد على خصوبة وإنتاجية هذه الأراضي التي تنتشر بها كروم العنب الوفيرة، والأشجار المثمرة الأخرى مما يضفي عليها سحراً خاصاً، وأهم ما تنتجه هذه الكروم هو العنب الخليلي ذو الطعم المميز الذي تشتهر به المدينة والقرى المجاورة ولكن هذا المشهد الجميل لم يكتمل إذ تكثر على هذا الطريق المستوطنات الإسرائيلية وخاصة مجموعة المستوطنات المعروفة بغوش عتسيون التي تنمو باطراد على حساب الأرض الفلسطينية في المنطقة.
بلغ عدد سكان محافظة الخليل 552,164 نسمة، وبلغ عدد سكان مدينة الخليل 163,146 نسمة حسب إحصاء عام 2007، وهي بذلك أكبر مدينة في النصف الجنوبي من الضفة الغربية، وتعتبر أيضاً مركزاً تجارياً لأكثر من مائة قرية محيطة بها، وأهم مدينة صناعية في الضفة الغربية على الرغم من أنها كانت ومازالت بلدة زراعية بالأساس تشتهر بإنتاج العنب الذي يصنع منه المربى والدبس والملبن، وفيها وحولها الكثير من المحاجر التي يصدر إنتاجها من حجارة البناء والرخام إلى مدن الضفة الغربية والدول العربية المجاورة.
أبرز المعالم السياحية والتاريخية في الخليل
الحرم الإبراهيمي:
من أبرز المعالم السياحية والأثرية الدينية في المدينة الحرم الإبراهيمي الذي يعتبر أيضاً من أهم المنشآت المعمارية التي ارتبطت باسم مدينة الخليل، ويقع إلى الجنوب الشرقي من المدينة الحديثة، ويحيط بالمسجد سور ضخم يعرف بالحير، بني بحجارة ضخمة يزيد طول بعضها على سبعة أمتار بارتفاع يقارب المتر، ويصل ارتفاع البناء في بعض المواضع إلى ما يزيد عن خمسة عشر متراً، ويرجح أن السور من بقايا بناء أقامه هيرودوس الأدومي في فترة حكمه للمدينة (37 ق.م- 9م)، وشيد السور فوق مغارة المكفيلة التي اشتراها إبراهيم عليه السلام من عفرون بن صوحر الحثي، والتي هي مرقد الأنبياء إبراهيم ويعقوب وأزواجهم عليهم السلام.
اشترى سيدنا إبراهيم مغارة المكفيلة من حاكم المدينة عفرون بن صوحر الحثي، واتخذ منها مدفنا له ولأسرته، من بعده وبموجب ذلك دفن فيها هو وزوجته سارة كما دفن فيها إلى جانبه ابنه اسحق وزوجته رفقة وحفيده يعقوب وزوجته ليئة وبنا بجواره مقام سيدنا يوسف بن يعقوب.
وفي العهد الروماني بنا القائد هيرودوس الآدومي حول المدفن سور ضخم لحمايته من التعديات يعرف بالحير، حيث بني بحجارة ضخمة يزيد طول بعضها على سبعة أمتار بارتفاع يقارب المتر ويضل ارتفاع البناء في بعض المواضع إلى ما يزيد عن خمسة عشر مترا.
مع انتشار المسيحية في عهد الإمبراطورية الرومانية اتخذ من المكان وحرمه كنيسة دمرت على أيدي الدولة الفارسية الوثنية إبان احتلال فلسطين عام 614 ميلادي.
وفي عهد خلافة بني أمية أعيد إعمار السور الأدومي كما رفعت شرفاته العلوية مع السقف وظلت مقامات الأنبياء بالقباب وفتح باب في الجهة الشرقية واتخذ مجدداً في عهد الخليفة العباسي المهدي.
بعد احتلال المدينة من قبل إسرائيل في عام1967م، شرع المستوطنون اليهود بالاستيطان في محيط المدينة ثم في داخلها، حيث يوجد حاليا خمس مواقع استيطانية يهودية وهي مستوطنة تل الرميدة، والدبويا، ومدرسة أسامة بن المنقذ،وسوق الخضار، والاستراحة السياحية قرب المسجد الإبراهيمي الشريف.
تعرض المسجد ولا يزال يتعرض للاعتداءات الإسرائيلية المتكررة من قبل الجنود والمستوطنين؛ بهدف تحويله إلى معبد يهودي، ومن أفظع ما تعرض إليه المجزرة البشعة التي ارتكبت في الخامس عشر من رمضان 25/2/1999 من قبل الإرهابي الإسرائيلي جولد شتاين أحد مستوطني كريات أربع بينما كان المصلون ساجدين في صلاة الفجر، وقد ذهب ضحية هذه المجزرة 29 مصلياً، فضلاً عن جرح العشرات، وعلى أثر المذبحة تم تقسيم المسجد بين المسلمين واليهود كسابقة في تاريخ المساجد الإسلامية من قبل الاحتلال الإسرائيلي، ومن الأماكن السياحية والأثرية في المدينة رامة الخليل أو حرمة رامة الخليل، حيث كانت تقوم على هذه البقعة قديماً بلدة تربينتس ويقال أن إبراهيم عليه السلام أقام في هذه البقعة أكثر من مرة.
بركة السلطان:
تقع وسط مدينة الخليل إلى الجنوب الغربي من المسجد الإبراهيمي، بناها السلطان سيف الدين قلاوون الألفي الذي تولى السلطة على مصر والشام أيام المماليك بحجارة مصقولة وقد اتخذت شكلا مربعا بلغ طول ضلعه أربعون مترا تقريبا.
متحف الخليل:
يقع في حارة الدارية قرب خان الخليل وكان في الأصل حماما تركيا عرف باسم حمام إبراهيم الخليل وبقرار من الرئيس ياسر عرفات حول إلى متحف.
البلوطة المقدسية:
تقع بالقرب من كنيسة المسكوبية على جبل الجلدة وهي شجرة ضخمة يرجح بأن عمرها يزيد عن خمس آلاف سنة، لا يسمح لأحد بالدخول إليها حفاظا عليها.
كنيسة المسكوبية:
تقع في حديقة الروم الأرثوذكس غربي المدينة بنيت في مطلع القرن الماضي مساحتها 6002م مبنية من الحجر على أرض مساحتها 70 دونما وهي الموقع الوحيد الخاص بالمسيحيين في المدينة.
رامة الخليل (بئر حرم الخليل):
كانت تقوم في ضوء المنطقة قديما بلدة تربينتس وهي تقع بالقرب من مدخل مدينة الخليل الشمالي الشرقي، وعرفت المنطقة في عهد الإمبراطور الروماني هدريان (117-138ميلادي) كمركز تجاري مهم حجارة بنائه مماثلة لحجارة المسجد الإبراهيمي لم يتبق منها سوى ثلاث مداميك في بعض المواضع، ويوجد في المنطقة الجنوبية للموقع بئر مسقوف بني بالحجارة إلا أن السقف محطم في بعض المواضع وبالقرب من البئر توجد أحواض حجرية صغيرة تستخدم لسقي الحيوانات.